روائع مختارة | قطوف إيمانية | في رحاب القرآن الكريم | مثل الذين يأكلون الربا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > في رحاب القرآن الكريم > مثل الذين يأكلون الربا


  مثل الذين يأكلون الربا
     عدد مرات المشاهدة: 1941        عدد مرات الإرسال: 0

ضرب الله الأمثال في القرآن الكريم للناس جميعاً، لتذكِّرهم بخالقهم، وتعظهم في درب حياتهم، بما تحمل من تصوير وتجسيد للنماذج والتجارب البشرية المتنوعة، وبما تقدم من الأدلة التي تهدي إلى الحق المبين، وبما تقيم من البراهين التي ترشد إلى الطريق المستقيم.

ومن الأمثلة القرآنية التي ضربها الله للناس، حفظاً لأموال الأمة، أفراداً وجماعات، قوله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة: 275].

فقد ضرب الله في هذه الآية الكريمة صورة لآكلي الربا، وما كان لأي تهديد معنوي ليبلغ إلى الحس ما تبلغه هذه الصورة المجسمة الحية المتحركة، إنها صورة مهزوزة، يحركها دافع شيطاني، بل يحركها الشيطان نفسه، بحيث إن المرابين لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم الذي يصرعه الشيطان من الجنون، وهذه هي علامة آكلي الربا التي يعرفون بها يوم القيامة.

فهذا المثل يبين سوء منقلب أَكَلة الربا يوم القيامة، وشدة مآلهم في الآخرة، وأنهم لا يقومون من قبورهم ليوم نشورهم {إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} أي: يصرعه الشيطان بالجنون، فيقومون من قبورهم حيارى سكارى مضطربين، متوقعين لعظيم النكال، وعسر الوبال.

وهذا المثل القرآني، يستحضر هذه الصورة لتؤدي دورها الإيحائي في إفزاع الحس، لإستجاشة مشاعر المرابين، وهزها هزة عنيفة، تخرجهم من مألوف عادتهم في نظامهم الإقتصادي، ومن حرصهم على ما يحققه لهم من فوائد آنية، وهي وسيلة في التأثير التربوي ناجعة نافعة، وهي في الوقت نفسه تعبر عن حقيقة واقعة.

وقد مضت معظم التفاسير على أن المقصود بـ القيام في هذه الصورة المفزعة، هو القيام يوم البعث والنشور، ولكن هذه الصورة -فيما يرى سيد قطب- واقعة بذاتها في حياة البشرية اليوم، وهي تتفق مع ما سيأتي بعدها من الإنذار بحرب من الله ورسوله، {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} [البقرة:279]، ونحن نرى اليوم هذه الحرب واقعة وقائمة، ومسلطة على البشرية جمعاء، التي تتخبط كالممسوس جراء النظام الربوي الذي يحكم ويتحكم في أكثر المعاملات المالية العالمية اليوم.

وواقع الأزمة الإقتصادية العالمية التي تمر بها الأنشطة الإقتصادية اليوم بسبب الربا والمرابين، يشهد لذلك، حيث إنهم لما إنسلبت عقولهم في طلب الأموال الربوية، خفت أحلامهم، وضعفت آراؤهم، وصاروا في هيئتهم وحركاتهم يشبهون المجانين في عدم إنتظامها، وتخبطها في أمرها، فهم لا يقومون في الحياة، ولا يتحركون إلا حركة الممسوس المضطرب القلق المتخبط، الذي لا ينال إستقراراً ولا طمأنينة ولا راحة.

إن الوضع الإقتصادي العالمي الذي تعيشه البشرية اليوم، يتسم بالقلق والإضطراب والخوف، والأمراض العصبية والنفسية، وهذا بإعتراف عقلاء أهله ومفكريه وعلمائه ودارسيه، وبمشاهدات المراقبين والزائرين والعابرين لأقطار الغرب، وذلك على الرغم من كل ما بلغته الحضارة المادية، والإنتاج الصناعي من تقدم وإزدهار، وعلى الرغم من كل مظاهر الرخاء المادي التي تأخذ بالأبصار، ثم هو -قبل ذلك وبعده- عالم الحروب الشاملة، والتهديد الدائم بالحروب المبيدة، وحرب الأعصاب، والإضطرابات التي لا تنقطع هنا وهناك!

ومن المفيد أن نذكر في هذا السياق، أن عدداً من الإقتصاديات العالمية بعد الأزمة المالية الأخيرة قد أخذت تعيد النظر في نظامها الإقتصادي القائم على الربا، وبدأت تدرس إمكانية تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي الخالي من الربا، وفي ذلك خير معتبَرٍ، لمن أراد أن يعتبر، {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر:2].

المصدر: موقع إسلام ويب.